في صبيحة ذلك اليوم الذي لا ينساه الكشاف ، و إذ هو في زنزانة مظلمة تعاقب عليها أبطال الجزائر لأنهم رفضوا الذل و غطرسة المستدمر الفرنسي ، و فيما كان لسانه يلهج بذكر ربه مستغفرا و حامدا و مثنيا على الله الخير كله...و بقلب صبور و راض بقضاء المولى مستيقنا بنصره، و بعين ثاقبة النظر كأنها تخترق الجدران الملطخة بالدماء لترى بنور الله مستقبل هذه الأمة و قد اسيقظت من سبات طويل و كسرت قيود العبودية لفرنسا ، رافعة من جديد لواء الوطنية و العروبة و الإسلام ،و فيما هو يستذكر العائلة المباركة التي ولد و نشأ فيها منذ ربيع 1908 بمدينة مليانة غرب الجزائر ،التي مشى على تربتها الطاهرة حافي القدمين و عفر وجهه حين سجد لله إذ هداه إلى أن يكون مسلما ، لتمر ذكريات تلقنه للقرآن الكريم في كتاتيب الحي و دخوله المدرسة الابتدائية التي أرغم على تركها بعد نجاحه و بتفوق عام 1915 ليس لأنه قليل ذكاء كلا ، كلا..بل لأنه جزائري الدم و اللون و اللسان و الروح ، و لأن معالم الرجولة و الحرية قد ظهرت في سكناته و حركاته ، فما كان من الفرنسيين إلا أن خططوا لكسر هذه الطاقة المشتعلة و تجميد هذا الفكر المتقد كما فعلوا مع الكثير من الجزائريين ..فرموهم إلى غياهب الفقر و الجهل و اللهو و الخنوع..لكن هيهات هيهات أن تنال عزيمة الظالم من قضاء و قدر الله الذي كتب اليتم على محمد بوراس منذ صباه إذ فقد الوالد الحاني المربي ، فاضطر للعمل مبكرا لإعالة العائلة في مناجم زكار كمساعد محاسب (1924/1926) و من بعدها انتقل إلى العاصمة ليعمل كمحاسب بأجر زهيد في مطحنة حبوب بالحراش و ليتعلم الكتابة على الالة الراقنة بمهارة...... يتبع